الصفحة الرئيسية

  القرآن الكريم

  أهل البيت عليهم السلام

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  شهداء آل الحكيم

  معرض صور آل الحكيم

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  أعلام آل الحكيم

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  أخبار هامة

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  التراث العلمي

  صور الفيس بوك

  قصص وضحايا

  مواقع صديقة

  من نحن

  إتصل بنا



البحث في الموقع









جديد الموقع




 أسرة الإمام الحكيم (قدس سره) تقيم مجلسها السنوي بذكرى ايام عاشوراء

 مكتب سماحة السيد عمار الحكيم (دام عزه) يقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل عزيز العراق (قدس سره)

 مكتب سماحة السيد عمار الحكيم (دام عزه) يقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد شهيد المحراب (قدس سره)

 المؤمنون في العالم يحيون يوم الشهيد العراقي

 الجالية العراقية في لندن تقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لإستشهاد سفير المرجعية

 أسرة الإمام الحكيم (قدس) تقيم مجلس تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم (قدس)

 البرنامج الجماهيري السنوي في العراق احياءاً لذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع)

 أسرة الإمام الحكيم (قدس سره) تقيم مجلسها السنوي في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام

 نشاطات بعثة شهيد المحراب (قدس سره) في الديار المقدسة .. مصور

 مسجد وحسينية آل ياسين في الكاظمية المقدسة تستضيف آية الله السيد جعفر الحكيم (دام عزه) .. مصوّر




صور عشوائية




 سماحة السيد حيدر السيد محمد باقر الحكيم (دام عزه)

 سماحة السيد علي السيد محمد مهدي الحكيم (دام عزه)

 سماحة آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)

 الشهيد حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم (قدس سره)

 سماحة السيد محمد حسين السيد محمد صادق الحكيم (رحمه الله)

 الخطيب حجة الإسلام السيد هادي الحكيم (رحمه الله)

 سماحة آية الله السيد محمود الحكيم (قدس سره)

 سماحة آية الله السيد جعفر السيد عبد الصاحب الحكيم (دام عزه)

 سماحة العلامة السيد محمد صادق الحكيم (رض)

 سماحة السيد علي السيد عبد الصاحب الحكيم (دام عزه)





إحصاءات


  • الأقسام الرئيسية: 11

  • الأقسام الفرعية: 35

  • عدد المواضيع: 204

  • التاريخ: 28/03/2024 - 20:57







  • القسم الرئيسي: بانوراما.

        • القسم الفرعي: تاريخ وحضارة.

              • الموضوع: وادي الرافدين والثورة المعلوماتية الأولى.

وادي الرافدين والثورة المعلوماتية الأولى

وادي الرافدين والثورة المعلوماتية الأولى

 

الدكتور أكرم محمد عبد كسار(*)

 

قامت على أرض وادي الرافدين، منذ فجر الوجود الإنساني، تجربة حضارية متميزة تتسم بأصالتها والتي دامت لآلاف السنين، وعبر تلك السنين قاد الرافدي موكب الحضارة مبتكراً ومطوراً ومعلماً ورسولاً ناشراً ذلك العطاء الحضاري بكل الاتجاهات الجغرافية التي عرفها العالم آنذاك. وبدون مبالغة فكثير من النتاجات الفكرية والمادية التي تنعم بها في يومنا هذا البشرية يعود في اصوله الى تلك العصور الرافدية الرائدة ومن هذه الاختراعات التي ارتقى الرافدي بها القمة في تاريخه القديم الا وهي الكتابة التي بواسطتها نقل البشرية من عصور ما قبل التاريخ الى العصور التاريخية وبذلك وضع لحياته إيقاع له خصوصيته المتميزة ليحقق من خلاله التقدم والرقي بثورته المعلوماتية الكبرى والتي نهض بها بحدود 3500 ق.م في مدينة الوركاء وبذلك منع موت التجربة مع صاحبها وجيلها محققاً نقلها للاخرين عبر المكان والزمان، ومن جيل الى جيل وبذلك ضمن استمرار التطور وفق إيقاع بونيرة متصاعدة بتراكم الخبرات والتجارب وهكذا يبدأ كل جيل من النقطة التي انتهى اليها الجيل الذي سبقه، وبوضوح الهدف تحرك الرافدي لاختراع الوسيلة التي يمكنه من خلالها عملية الحفظ والنقل فكانت الكتابة التي حقق بها حفظ المعلومات وتثبيتها على الواح الكتابة ولتنتقل معه ومنه الى غيره ومن مكان الى آخر ومن جيل الى جيل ومن عصر الى عصر، او اليس كل هذا يؤكد لنا ان المعلومة لاتنتهي بموت صاحبها بل تحفظ من بعده ويضاف اليها.

 بعد اختراع الكتابة واصل سكان وادي الرافدين عبر حضاراته المتعددة خلال تاريخه القديم بالتاليف والتوثيق لكل ما وصلوا اليه في شتى مجالات العلوم والمعارف لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهي أطول مدة وأغنى تجربة حضارية في تاريخ العالم والتي قدمت تجربة لها صداها في الحكم والإدارة والإبداع والتأليف وتنظيم شؤون الحياة وتقنيين القوانيين والتوثيق والاتصال وهكذا مثلت لنا حافظة ذاكرة الأجيال.

 البداية

 هنالك افتراض عام يعتقد ان الحاجة إلى توثيق الجانب الاقتصادي بدلا من الاعتماد على الذاكرة هو سبب اختراع الكتابة وجاء ذلك بعد اتساع المدن وازدياد الأعمال بعد ظهور المعابد واستلامها للقرابين والنذور وصرفها لها لتلبية الاحتياجات اليومية واتساع هذه العملية فلم تعد الذاكرة تفي بالغرض لذا اقتضت الحاجة إلى التوثيق باستعمال الخطوط لكل سلعة من السلع او مادة من المواد ولتتطور العملية إلى رسم صورة الشيء والى جانبه عدده وبذلك ظهرت أقدم الألواح المدونة والتي عرفت بالكتابة الصورية وكان أول ظهور لها في مدينة الوركاء.

مواد الكتابة وأدواتها

 اخترعت الكتابة في الوركاء الواقعة اليوم في جنوب العراق ضمن سياق التطور الحضاري لها والتي شهدت ابداعات وانجازات حضارية جعلت منها موطناً مناسباً لظهور ذلك الاختراع الذي استعمل الواح الطين للكتابة عليه، لان الطين هو المادة الأكثر وفرة والأبسط صنعاً والأسهل منالاً في وادي الرافدين، ويتم صنع هذه الالواح الخاصة بالكتابة من تراب نقي او طين جيد خالي من الشوائب، وبعد تشكيل اللوح ترسم عليه الصور او تكتب العلامات حين يكون طرياً ثم يترك ليجف وهذا الاختيار كان عبقرياً بدليل بقائها حتى يومنا هذا وتحل رموزها وتحفظ في المتاحف وهي على حالها كيوم استعمالها، واضافة الى الطين الحجر والذهب والفضة والبرونز والخشب الا ان الاخير تعرض للتحلل.كما استعمل الشمع في الكتابة مشكلة اول مادة مستعملة في تدوين أول كتاب في التاريخ حيث تمكن الرافدي من ابتكار الألواح العاجية التي تطوى بمفاصل وتغطى أوجهها بالشمع الذي تنقش فيه النصوص المسمارية، وكان ذلك خلال الألف الأول قبل الميلاد في مدينة كالح العاصمة الآشورية المعروفة.

 وتنوعت اشكال الألواح التي تم التدوين عليها بين مربعة ومستطيلة وقرصية ومخروطيه واسطوانيه ومنشوريه، واستعمل القلم المصنوع في الغالب من القصب واقل شيوعاً من المعادن او العظام، والقلم المصنوع من القصب يكون قطعة قصيرة يتم قطعها من قصبة قوية ويتم تشذيب طرفها بحيث تكون ذات نهاية دائرية أو مدببة أو مائلة والتي بدورها تتحكم بشكل الخط.

 تدوين اللغة

 ان اول لغة دونت في تاريخ العلم هي اللغة السومرية إذ شهد القسم الجنوبي من حضارة بلاد وادي الرافدين اطوار اختراع الكتابة من الوركاء الى عصر فجر السلالات، ولا يغيب عن بالنا ان اختراع الكتابة من أعقد الاختراعات التي توصلت اليها البشرية ونتيجة للتحدي الذي شعر به السومري مما دفعه الى تسجيل الكلام الذي يسمعه من دون نطقه او مشاهدت قائله. والكتابة من الاختراعات التي لايمكن انجازها وتركها وانما تكون منطلقاً لمبتكرات أخرى تستجيب لما يستجد، ومن تلك المستجدات تجانس الألفاظ Homophony وتعددها Polyphony. وكانت مواضيع النصوص الوركائيه الأولى في اغلبها اقتصاديه إذ شكلت 85% والمتبقي منها ذات نصوص عن قوائم معجمية متضمنة أسماء سلع مختلفة وحيوانات واداريين اي بنسبة 15%، ويبدو ان النصوص الاخيره جزء من نظام تعليمي لتدريب الكتبة وهو ذا نظام متقن يؤكده استمراريته بعد ست مئة سنة لاحقة وهذا يشير الى استمرارية وقوة النظام التعليمي آنذاك، وما ان حل الدورين الثاني والثالث من عصر فجر السلالات حتى بدأ عصر التدوين التاريخي لأول مرة في تاريخ البشرية وتحديداً في حدود 2600ق.م.من خلال ما دونه ملك كيش اينيمي ــ بركيسي وهو اول انسان خلد ذكره بكتابة تذكارية، وبذلك قطعت شوطاً جديداً في تطورها وليستمر هذا التطور من خلال النصوص الادبية التي وصلتنا من الألواح المكتشفة في تل فاره وتل الصلابيخ مقدمة لنا التطور التقني للكتابة من حيث الشكل والمرونة.

 تطور الكتابة وانتشارها

 كانت الكتابة في مبدأ ظهورها كتابة صورية الا انها سرعان ما تطورت في الادوار التالية واصبحت كتابة صوتية على هيئة مقاطع حيث تدون الاشياء المراد كتابتها بتقطيعها الى عدة مقاطع لكل منها علامته المسمارية الخاصة، وهذه التغيرات تأتي منسجمة مع طبيعة عملية التدوين نفسها.

 وقد لعب الاكديون دورا كبيرا في نشر استعمال الكتابة المسمارية بعد اعتمادهم عليه في تدوين لغتهم واتساع امتدادهم السياسي اضافة الى ان الاقوام المختلفة التي عاشت في المنطقة تاثرت بشكل كبير بهذه الكتابة بحيث وظفتها هي الاخرى في تدوين لغاتها والقائنا لنظرة سريعة على العيلاميين والحثيين على سبيل المثال تعطينا صورة واضحة لمثل هذا الانتشار وليس ادل على ذلك ايضا من استعمال هذه الكتابة وباللغة البابلية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد لغة المراسلات الدبلوماسية بين جميع حضارات الشرق الادنى القديم.

 وادناه نوجز عرضاً تاريخياً لاستمرار هذه الكتابة وبخطها المسماري وتطورها وفق تسلسلها الزمني وبالشكل الاتي :ـ

 3300 ـــ 2900 ق.م نصوص دور الوركاء، الطبقتان الرابعة والثالثة، ودور جمدة نصر ونصوص تل براك في سوريا، خارج العراق النصوص الشبيهة بالعيلامية.

2900 ـــ 2600 ق.م نصوص الدورين الاول والثاني منعصر فجر السلالات والنصوص الاركائيه من اور.

2600 ـــ 2334 ق.م نصوص الدورين الثاني والثالث من عصر فجر السلالات وكتابة الملك اينيمي ــ بركيسي من كيش في حدود 2600 ق.م ونصوص فاره وابو الصلابيخ وارشيف ايبلا وكتابات كرسو لأنانا وكتابات لوكال ــ زاكيزي في الوركاء (2340 ـــ 2316).

2334 ـــ 2154 ق.م نصوص سلالة أكد والعصر الاكدي القديم، سرجون الاكدي (2334 ــ 2279 ق.م) ونرام ــ سن (2254 ــ 2218 ق.م) وكوديا من لكش (2141 ــ 2122 ق.م) في خارج العراق كتابات بزر انشوشناك من عيلام. 2112 ـــ 2004 ق.م نصوص سلالة أور الثالثة ونصوص اوما بزرش داكان وارشيف كرسو. كتابات اور ــ نمو (2112 ــ 2095 ق.م) و شولكي (2094 ــ 2074 ق.م).

2004 ـــ 1894 ق.م نصوص العصر البابلي القديم وارشيف لارسا ونفر واشنونا وسبار وتل الدير واور وكيش وكتابات سين ــكاشد من الوركاء (بحدود 1790 ق.م) ونصوص العصر الاشوري القديم، أرشيف كانيش (بحدود القرن التاسع عشر).

1894 ـــ 1595 ق.م نصوص سلالة بابل الأولى، حمورابي (1792 ــ 1750 ق.م) سمسو ــ ايلونا (1749 ــ 1712 ق.م). في خارج العراق أرشيف ماري، زمري ــ لم (1775 ــ 1759 ق.م).

1550 ـــ 1155 ق.م نصوص العصر البابلي الوسيط، في خارج العراق الأرشيف الحثي من بوغازكوي (القرن السابع عشر وحتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد) في بلاد اشور ارشيف نوزي (القرن الخامس عشر قبل الميلاد) المملكة الميتانية (بحدود 1550 ــ 1260 ق.م) ارشيف الالاخ (القرن الخامس عشر قبل الميلاد) ارشيف تل العمارنه (بحدود 1400 ق.م) ارشيف أوغاريت (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) العيلامي الوسيط كتابات خمبان ــ نومينا الأول (بحدود 1275 ق.م).

 1160ق.م الغزو العيلامي لبلاد بابل.

1157 ـــ 1026 ق.م سلالة ايسن الثانية.

1000 ـــ 625 ق.م نصوص العهد البابلي الحديث، العصر الاشوري الحديث،ارشيف من مدن إشور وكالخ ونينوى. كتابات إشور ناصر بال الثاني (883 ـــ 859 ق.م) وشلمنصر الثالث (858 ــ 824 ق.م) وسرجون الثاني (721 ــ 705 ق.م) وسنحاريب (704 ــ 681 ق.م) وسرجون (680 ــ 669 ق.م) وإشور بانيبال (668 ــ 627 ق.م) في خارج العراق الكتابات الاورارتية.

625 ـــ 539 ق.م نصوص العصر البابلي الحديث، أرشيف مدينة بابل، كتابات نبوخذ نصر الثاني (604 ــ 562 ق.م) ونبونائيد (555 ــ 539 ق.م).

559 ـــ 331 ق.م في خارج العراق السلالة الاخمينية في بلاد فارس، الكتابات الفارسية القديمة، النصوص العيلامية المتأخرة، كتابات كورش (559 ـــ 530 ق.م) وداريوس الأول (521 ــ 486 ق.م) واحشويرش (485 ــ 465 ق.م) وارستاكيس الثالث (358 ــ 338 ق.م).

336 ـــ 323 ق.م كتابات الاسكندر المقدوني.

316 ق.م نصوص بداية الفترة السلوقية، انطيخوس الأول سوتر (281 ــ 260 ق.م).

75 م إخر النصوص البابلية.

 وهكذا انتشر الخط المسماري من العراق ليغطي رقعة جغرافية تشغلها الآنالدول الآتية : شرق الجزيرة العربية، البحرين، ايران، تركيا، سوريا، لبنان، الاردن، فلسطين، مصر.

 

النصوص المسمارية بين الاكتشاف وحل الرموز

ان قصة حل رموز الكتابة المسمارية واحدة من أروع الاكتشافات العلمية في القرنينالتاسع عشر والعشرين الميلاديين عبر محاولات ناجحة ومتعثرة وبجهود حثيثة تم بذلها في حل هذه الرموز، فاتحة نافذة رحبة للتعرف من خلالها على تجربة حضارية هائلة وضعت من خلالها أسس الحضارة المعاصرة التي تزدهر حياة الانسانية اليوم تحت ظلها، كما ان النصوص المسمارية وحل رموزها وسع إفاق الفكر الى ما يتجاوز حدود المعرفة بالكتاب المقدس والتراث الاغريقي.

 لقد سبق الرافدي الاوربي في اهتمامه بالنصوص القديمة وحل رموزها، وكما هو معلوم ان الثلاثة الالاف عام التي استعمل فيها الكتابة المسمارية قد حصل فيها غموضاً وعدم وضوح للحضارات المتعاقبة على بلاد وادي الرافدين من ناحية الخط والقواعد وحتى المفردات في بعض الاحيان، اضافة الى انها قد شهدت تطورات مستمرة في الكتابة واللغة، وان دل هذا الاهتمام على شيء فانه يدل على اهتمام الرافدي بما كتبه من سبقهم من خلال تلك المعاجم اللغوية والمكتبات العديدة التي اكتشفت او ذكرت في النصوص المسمارية ومن عصور مختلفة، اضافة الى شواهد لترجمات نصوص من السومرية القديمة الى الاكدية واستنساخ النصوص القديمة، ولنا نماذج عدة كشفت عنها الحفريات الاثارية تؤكد هذا الاهتمام الرافدي بكتابات من سبقهم وبحرصهم على جمعها ودراستها منها مكتبة الملك الاشوري توكلتي ــ ننورتا الاول (1244 ــ 1208 ق.م) والتي لم يتم الكشف عنها حتى يومنا هذا في مدينة اشور، ومكتبة الملك اشور بانيبال (688 ــ 627 ق.م) في مدينة نينوى والتي استخرج منها بحدود الخمسة والعشرون الف نص كان في غالبيتها نسخ نقلت عن نصوص سومرية واكدية قديمة ومالايزيد عن خمسة الاف نص وثائق تتعامل مع شؤون رسمية معاصرة لزمن المكتبة من مراسلات ونصوص ادارية وقضائية، ومما يؤكد ذلك الاهتمام الذي كما ذكرنا سبقوا به الاوربيين هذا النص المحفوظ في المتحف البريطاني على لسان الملك اشور بانيبال

 "...... وهبني مردوخ، سيد الآلهة، فهماً واسعاً وفكراً لامعاً.

 أنعم على نبو كاتب الكون، بنفح من حكمته..... امتلكت علم

 الحكيم ادبا، الكنز المخفي لكل المعارف المدونة، علامات السماء

 والارض...... قرأت الخط السومري المتقن والخط الاكدي الغامض

 عسيري الفهم حتى بالنسبة للاستاذ، غمرتني السعادة بقراءة الاحجار

 من عصور ماقبل الطوفان، كم اشعر بالغضب مـن

 وقوفي من قبلحائراً أمام الكتابة الجميلة.....

 وتكشف لنا النصوص عن قيام الملك البابلي نبونئيد(555 ـ 539 ق.م) بجمع قطع أثرية عديدة من مخلفات الماضي، ويقوم كتبته بدراسة كتابات لحمورابي ولسرجون الأكدي ونرام سين وكم كان نبونائيد فخوراً بتلك الاكتشافات التي ذكرها في نصوصه، كما انه جعل الخط المسماري الذي دونت بعض نصوصه مضاهياً للخط الذي استعمل في تدوين نصوص الملك حمورابي.

 

حل الرموز المسمارية:

اولاً ـ القرن السابع عشر الميلادي

 قام النبيل الايطالي بترو ديلا فاله برحلته الى العراق وبلاد فارس مابين 1616 و 1625 م، وذكر في رسالته المؤرخة في 21/ 10/1612م قيامه بأستنساخ خمس علامات مسمارية وتوصل الىان قرائتها تتم من اليسار الى اليمين وقد اصاب في ذلك، ونقل معه الى اوربا عدداً من الآجرات المختومة بكتابات مسمارية من بابل واور مشكلة بذلك اولى النماذج لهذه الكتابة التي تصل الى اوربا والتي حلت رموزها بعد قرنين، وبذلك تكون رحلة بترو ديلا فاله البداية لحل رموز هذه الكتابة، وفي عام 1673 م نشر فنان فرنسي اسمه أندريه دوليه ديسلند اولى العلامات المسمارية من برسيبوليس وعددها ثلاثة علامات، الا انه وضع تلك العلامات بشكل يوحي بأنها زخرفة وليست كتابة، وفي عام 1677 م نشر البريطاني توماس هربرت ثلاثة اسطر من الكتابة المسمارية بعد ان اخذها من أسطر مختلفة، وكرر عام 1693 م الامر نفسه عندما استنسخ صموئيل فلور أحد وكلاء شركة الهند الشرقية عندما قام بأستنساخ سطرين فيهما عشرين علامة اختارها من نصوص متعددة وبطبيعة الحال أدى ذلك الى ارباك جهود من كانوا يسعون الى فك هذه الرموز.

ثانياً ـ القرن الثامن عشر الميلادي

 استهل القرن الثامن عشر بتبني مصطلح المسمارية وباللاتينية Cuneiform، وهي التسمية التي لازمت هذه الكتابة منذ ذلك الحين وذلك راجع الى شكل العلامات يشبه المسمار، علما ان الكتابة في مراحلها الاولى كانت تتالف من مجرد خطوط مستقيمة تطورت عن الخطوط المنحنية في الكتابات الصورية الأولى في الوركاء، وتفس لنا الالواح الطينية الطرية التي كانت تستعمل في التدوين وطبيعة القادلم المستعمل سبب ظهورها بهذا الشكل، واول من اطلق هذه التسمية هو توماس هايد بعد دراسته لما قام باستنساخه صموئيل فلور الا انه اعتقد انها علامات زخرفية نقشت للزينة، وفي عام 1711 م نشر اول نص كامل من برسيبوليس من قبل جين شاردن وبعده بثلاثة اعوام نشر كارنيل ليبوروم نسخا دقيقا لثلاثة نصوص مدونة بثلاث لغات، ثم جاءت خطوة متقدمة للامام حينما ارسل ملك الدنمارك بعثة علمية استطلاعية الى بلاد الرافدين وبلاد فارس لجمع المعلومات المختلفة ومن بينها آثار الماضي ومخلفاته وكان على رأسها عالم الرياضيات كارستن نيبور والذي تمت رحلته والبعثة خلال الفترة من 1761 م وحتى 1767 م، زار خلالها موقع نينوى وموقع بابل وبرسيبوليس الذي قام فيه عام 1765 م باعداد نسخ دقيقة لثلاثة نصوص مسمارية ثلاثية اللغة ونشرها عام 1778 م وذكر انها مدونة بنفس اللغة ولكن بثلاثة خطوط مختلفة، واستنتج من جهة اخرى الى ان كل نص مدون بثلاثة نماذج كتابية سماها النوع الاول والنوع الثاني والنوع الثالث (بعد حل رموزالكتابة المسمارية ان هذه الانواع ما هي الا الكتابات الفارسية القديمة والعيلامية والبابلية) وتوصل الى استنتاج ان الفارسية كانت هجائية لانها تتالف من اثنتين واربعين علامة فقط، وفي عام 1790 م نشرت مذكرات آبي بيو شام باللغتين الانكليزية والالمانية والذي سبق له العمل في بغداد ممثلا للفاتيكان وعضوا مراسلا لاكاديمية العلوم، وهو اول من قام بحفريات في موقع مدينة بابل وذكر بانه عثر اثناء حفرياته على اسطوانات صلدة عليها كتاباتدقيقة تشبه تلك التي جاءت من موقع مديتة برسيبوليس محدثا بذلك ضجتة كبيرة في اوربا وموجها الانظار للمرة الاولى الى الموطن الحقيقي لهذه الكتابة، وفي عام 1797 م توصل باحث دنماركي اخر هو فردريك مونتر الى ان النوع الاول من الكتابة، حسب تصنيف كارستن نيبور، كان كتابة هجائية بينما كان النوعان الثاني (العيلامية) والنوع الثالث (البابلية) يتألفان من كتابة مقطعيه ومقطعيه رمزية، وان كل نوع من هذه الكتابات يمثل لغة مختلفة وشكلا من اشكال الكتابة في الوقت نفسه، وكتب مقالين الى الجمعية الملكية الدنماركية للعلوم اثبت فيهما بان نصوص برسيبوليس تعود الى السلالة الاخمينية، كما نشر اولف جيرهارد تايشن عام 1798 م نتائج ابحاثه حول النوع الاول من نصوص برسيبوليس وتمكن من التعرف على اربعة علامات من نصوص هذا النوع الا انه اخطأ في تأريخها.

ثالثاً ـ القرن التاسع عشر الميلادي

 كانت النتائج التي توصلت اليها الجهود المتعلقة بمحاولات كيفية حل هذه الرموز التي عرفت بالمسمارية تمثل تراكم من المعلومات والخطوات التي هي بحاجة لمن يستطيع ولوج هذا الميدان العلمي وعلى اسس رصينة، وفعلا تهيأ ذلك من خلال شاب ألماني يدعى جورج. ف. كروتفند الذي دخل مجال المسماريات بطريقة الصدفة، وكان في متناوله النص المسماري المدون باللغة الفارسية القديمة والذي يتألف من ستة أسطر، وبما ان علاماته المسمارية محددودة فهي دلالة على أنها هجائية وليست مقطعية، وفي ضؤ ماتم التوصل اليه في قراءة اللغة البهلوية خمن كروتفند بأن الكلمة الثانية في السطر الأول (وهي سبع علامات محصورة بين خطين مائلين) تعني " ملك " وتقرأ من اليسار الى اليمين، وأن تكرار الكلمة نفسها في السطرين الثاني والثالث مع زيادة أربعة علامات على الثانية منها تعبر عن مصطلح " ملك الملوك " والعلامات المضافة تخص الجمع، وانه كان يعرف أن هذا اللقب يلي أسم الملك لذا توصل الى أن هذه الكلمة الأولى في السطر الأول هي اسم الملك وقرأها " داريوش " معتمدا في هذه القرأةعلى ماكان معروفاً آنذاك من الأدبيات الإغريقية والتوراتية والأفستانية، وقرأ الكلمة الثانية في السطر الرابع اسم ابيه هيستاسبيس الذي لم يكن ملكاً ولذلك لم يلي اسمه كلمة ملك. وبرغم خطأ قراءة بعض العلامات من قبل كوتفند وعدم توصله الى حقيقة أن هذه الكتابة لم تكن هجائية تماماً بل هي مزيج من الهجائية والمقطعية، إلا انه قام بقفزة كبيرة في طريق حل الرموز المسمارية، وكان قد ارسل نتائج جهوده في تقارير الى الجمعية الملكية في جامعة كوبنهاكن في الفترة المحصورة بين 2/ 10/1802م و 20/5/1803م، وقد أعلن في تقاريره هذه بأنه توصل الى قراءة وترجمة كتابات برسيبوليس المسمارية، والواقع انه لم يتوصل الى قراءتها كاملة بل قراءة فقط عشر علامات مسمارية وثلاثة أسماء أعلام من أسماء الملوك الاخمينين، الا انها نالت استحسان عدد من الرواد في هذا المجال بالرغم من انقسام العلماء بين مؤيد ومعارض، كما حثت هذه النتائج أحد عشر عالماًعلى مواصلة عملهم لأنجاز القراءة الكاملة، وبذلك يعود الفضل الى كروتفند في التعرف على نصوص النوع الأول من كتابات برسيبوليس لتكون الاساس في قراءة نصوص النوعين الثاني والثالث. ونص ترجمة النص الأول الكاملة والمدون بثلاثة لغات في برسيبوليس وبعد تجاوز أخطاء كروتفند الأولى والتي لا تنقص مما أنجزه هي

 " داريوس، الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلدان، ابن

 هستاسبيس، الآخميني، الذي بنى هذا القصر "

 ومما ساعد على معرفة القيم الصوتية في النصين الآخرين تحديد علامات أسماء الأعلام، مثل دارا في بداية السطر الأول من كل من النصين العيلامي والبابلي.ولم يكن بالمستطاع انجاز قراءة نصوص برسيبوليس بشكل كامل وذلك لقصرها، فلابد من توفر نصوص طويلة زاخرة باسماء الاعلام لانها تساعد على معرفة الفاظ المقاطع باعتبارها معروفة أصلاً، وتحقق ذلك عندما اكتشف الضابط البريطاني ذات بديوم في ايران عن منحوتة صخرية كبيرة على جبل بهستون قرب كرمنشاه ومنحوتة أخرى على جبل الوند قرب همدان، وقد نفذت هاتان المنحوتتان بمحاكاة من قبل دارا الأخميني للملوك الآشوريين في تسجيل وقائعهم التاريخية، بالكتابة والرسوم، على سفوح الجبال الشاهقة، وكان قد نقش نصان قصيران على منحوتة جبل الوند في حين نقشت خمسة نصوص طويلة على منحوتة جبل بهستون، وكلا النصين مدون باللغات الثلاث التي أستعملت في نصوص برسيبوليس، وواجه رولنصن صعوبة كبيرة في استنساخ النصوص المنقوشة على منحوتة جبل بهستون لانها كانت في مكان يصعب الوصول اليه لوقوعها على ارتفاع يصل الى ثلاثمائة قدم، ولكن روح المغامرة التي عرف بها دفعته لان يتدلى بحبل من قمة الجبل ليصبح أمام المنحوتة ويقوم بأستنساخها، ولهذا السبب لم ينته من استنساخ النصين الفارسي القديم والعيلامي إلا في سنة 1844م بالرغم من انه كان قد بدأ به في سنة 1835م، أما النص البابلي فلم يكمله إلا في سنة 1847م، ووصل عدد أسطر النص الفارسي القديم إلى 414 سطر والنص العيلامي إلى 263 سطر والنص البابلي 112 سطر، واستطاع معرفة النص الفارسي القديم بالاستفادة من أسماء الأعلام التي كانت معروفة في المؤلفات التاريخية الإغريقية وكذلك من معلوماته عن اللغتين الأفستانية والسنسكريتية من تقديم ترجمة كاملة للنص في عام 1846م.

 ولم يتمكن رولنصن من قراءة النص العيلامي بالرغم من محاولته الشديدة، لان هذه اللغة لا تنتمي إلى عائلة لغوية معروفة ولا توجد لغة أخرى تساعد على فهم نصوصها وليس أمامه الا الاعتماد على الترجمة الفارسية القديمة كوسيلة مساعدة لقراءة نصوصها ولكن العيلامية كانت كتابة مقطعية وليس هجائية وان محاولة الاعتماد على اسماء الاعلام في تحديد قراءة الالفاظ ليس بالامر السهل لان اسم العلم قد يختلف لفظه من لغة الى اخرى فامحاولة بحاجة الى جهوداً كبيرة ومتواصلة، لذا تصدى عالم بريطاني آخر لقراءة النص العيلامي وترجمته الا وهو أودين نوريس مستعيناً بملاحظات رولنصن ومن سبقه والذي تمكن بشكل فعلي خلال سنتين 1853 ـــ 1855م من قراءته وترجمته.

 وبرزت جهود ثلاثة من الاوربيين أدوارد هنكس و يوليوس أوبرت و هنري رولنصن الذين كانو يقومون بتصويب القراءات الخاطئة في ذلك الوقت وتقديمهم للحلول فيما يتصل بما تبقى من مسائل وتعقيدات في قراءة النصوص المسمارية كما انهم مهدوا الطريق امام حل رموز الكتابة المسمارية للغتين الأكدية والسومرية فاتحين بذلك الابواب على مصراعيها للانسانية في الاطلاع على كنوز المعرفة والتجربة التاريخية لحضارة وادي الرافدين.

 وعندما ابتدأ العمل بقراءة النص البابلي من كتابة بهستون برزت عدة حقائق منها انها مقطعية وعدد مقاطعها بحدود الست مئة مقطع، وان فيها علامات داله تستعمل للدلالة على فئات مختلفة من الاسماء بحسب مدلولها وصنفها، ومع بدأ العمل بقراءة النص البابلي من منحوتة بهستون كانت النصوص يتم استخراجها بأعداد كبيرة من تنقيبات القنصل الفرنسي باول أميل بوتا في نينوى والتي نبهت رواد قراءة النصوص الأولى الى ان كتابة النوع الثالث هي الاصل في المدونات القديمة وان موطنها وادي الرافدين وهي ليست محدودة النقوش وان هناك الالاف من الوثائق التي تنتظر الكشف عنها وعند حل رموزها ستكشف عن احداث التاريخ ولفترة طويلة من الزمن والتي لازالت مجهولة، لذا وجه كل من رولنصن و هنكس و أوبرت الاهتمام الى النصوص البابلية والتركيز عليها بعد أن شعروا بأهميتها، ولكن الصعوبات تزايدت لعدم اقتصارها على المقاطع فقط بل تضمنت عدداً كبيراً من المقاطع الرمزية Logogram التي يرمز كل منها إلى كلمة بعينها اضافة الى العدد الكبير من المقاطع التي استعملت فيها، الاان هنالك عامل لعب دورا مساعداً على حل رموزها يتمثل في انتماء اللغة البابلية الى عائلة لغوبة لم تزل بعض فروعها مزدهرة مثل العربية والعبرية والارامية...الخ من اللغات الجزرية الحية، وهذا بطبيعة الحال دفع رولنصن الى الافتراض في أول الامر الى ان هذه الصلة مع اللغات الجزرية لابد لها من انها قد استعملت الحركات الاعرابية على الحروف مثل اللغات الشقيقة لها وانه توقع ان لاتظهر في الكتابة سوى الحروف الصحيحة من الكلمات الا انه ادرك عدم صحة ذلك فيما بعد حين انتبه الى ان الفاظ العلامات المسمارية تتضمن حروف علة تقوم بوظيفة الحركات الاعرابية مع الحروف الصحيحة، وجميعها مقاطع ولا يمكن ان يكون حرف صحيح مقطعاً بذاته.

 وفي عام 1847م سافر رولنصن من بغداد الى جبل بهستون في ايران ليتم استنساخ النص البابلي المتقوش على منحوتة بهستون وبعد اتمامه درس العلامات في ضؤ الترجمة الفارسية القديمة للنص نفسه والتي أكملت تواً، وأخذ يتعرف على الفاظ المقاطع من مقارنة العلامات المسمارية المكونة لأسماء الأعلام وبهذه الطريقة توصل غلى قراءة 246 علامة، وحقق هنكس قبل عام 1850م قراءة أول كلمة بابلية من غير أسماء الأعلام وهي كلمة " أناكو" (آ ــ نا ــ كو)وهي ضمير الشخص المتكلم " أنا" ولتظهر نتائج بحثوثه عام 1850م والتي مهدت لاصدار رولنصن ترجمته الكاملة للنص البابلي من نقش بهستون في عام 1851م ومثلت هذه البداية لأقدام العلماء على قراءة النصوص الاشورية الاحادية اللغة التي تتزايد نصوصها بشكل مضطرد، وبعد سنوات قليلة كانت الخطوة الاخيرة في قراءة رموز الكتابة البابلية على وشك التحقق ورداً على الشكوك التي كانت تحوم حول صحة قراءة النصوص المسمارية قام فوكس تالبوت بقراءة نص للملك الآشوري تكلاتبلاصر الأول 1116 - 1076 ق.م وبعد ترجمته لهذا النص غير المقرؤ أو المنشور سابقاً أرسله مختوماً إلى الجمعية الملكية الآسيوية في 17/ آذار/1857م مع رسالة يقترح فيها ان توجه الجمعية الدعوة الى كل من هنكس ورولنصن ليقوم كل واحد منهما على حدة باعداد ترجمة للنص الذي ارسله، وهدفه من ذلك مقارنة الترجمات الثلاث فأن وجدتها متقاربة انتفى الشك بصحة ما توصلت اليه الجهود في حل رموز الكتابة المسمارية، ووافقت الجمعية على ذلك واضافت اوبرت الى هنكس و رولنصن ودعتهم للقيام بهذه المهمة وبعد شهرين أرسل كل واحد منهم ترجمته بظرف مختوم، وقامت لجنة خاصة مؤلفة من خمسة أعضاء بفتح الظروف في وقت واحد وبعد اطلاعها على الترجمات الاربع ومقارنتها ببعضها البعض أصدرت قراراً بتقويمها، ونصت النتيجة على ان هناك تشابهاً واضحاً بين ترجمتي رولنصن و هنكس، أما ترجمة تالبوت فلم تكن دقيقة ان ترجمة اوبرت تضمنت اختلافات عن الترجمات الأخرى ولكنه أرفقها بتعليقات توضيحية، واعتبر هذا القرار خطوة مهمة لصالح حل الرموز المسمارية ومعلناً هذا القرار عن ميلاد علم جديد هو علم الكتابات المسمارية أو ما اصطلح عليه منذ البداية علم الاشوريات، وترسخت أسس دراسة النصوص المسمارية وتعززت وسائلها نتيجة لاكتشاف الآلاف من النصوص المسمارية التي أكتشفت في تل قوينجق في نينوى والتي سبق للملم الاشوري آشور ــ بانيبال أن جمعها في المكتبة التي عرفت باسمه اليوم ومن خلال نصوصها تم التعرف الى اللهجة التوأم للآشورية الا وهي البابلية وانهما لهجتان من اللغة الأكدية وحتى اللغة السومرية تم اكتشافها ومعرفة نصوصها من خلال هذه المكتبة وبذلك جاء مصطلح علم الآشوريات لا ليقصد بها فقط اللغة الاشورية بل نصوص المكتبة الاشورية المكتشفة في موقع آشوري، وبدأت اولى الحفريات مرسخة اسس هذا العلم، وبدأ العمل منذ ستينات القرن التاسع عشر الميلادي على استنساخ وقراءة النصوص المكتشفة هناك وكان على رأس العلماء الذين عملوا في ذلك كل من أدوين نوريس و جورج سمث و هنري رولنصن والذي ساعد على تطوير دراسة تلك النصوص قيام العالم الالماني كارل بيزولد باعداد سجل لها خلال عقد التسعينات من القرن التاسع عشر الميلادي، وتوالت المقالات والدراسات والكتب في العقود التي تلت ذلك، لتناول جميع فروع العلم الجديد وبضمنها اللغة والتاريخ والفكر الديني والأدب وغيرها، وكانت النصوص المسمارية تستنسخ بالمئات وتنشر في مطبوعات متنوعة في انكلترا والمانيا وفرنسا وامريكا، وكتب الكثير عن اللغات الرافدية ومفرداتها وجداول علاماتها وقواعدها وليتم كسر حاجز الزمن لاستجلاء واحدة من أضخم التجارب التي عاشتها البشرية.

 اما فيما يتصل باللغة التي هي اخترعت هذه الكتابة الا وهي اللغة السومرية، فلم ينتبه الباحثون أول الامر الى هذه اللغة حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكان أول من توقع وجود لغة رافدية أخرى هو هنكس وذلك في عام 1850م وليعلن فيما بعد وتحديداً في عام 1852م بأن رولنصن توصل من دراسة معاجم العلامات المسمارية المكتشفة في تل قوينجق الى وجود لغة اخرى مرادفة للغة البابلية وهي ليست من نفس العائلة اللغوية التي تنتمي لها اللغة البابلية وأخطأ كل من هنكس و رولنصن في انتماء هذه اللغة فأعتقدا انها تنتمي الى اللغات الطورانية وأطلقا عليها اسم اللغة السكيثية وبعد توالي الاكتشافات من خلال التنقيبات الاثارية في جنوب وادي الرافدين اطلق عليها رولنصن تسمية السكيثية البابليةمن خلال محاضرة القاها فيالجمعية الملكية الاسيوية في عام 1853م، وما ان اوشك عام 1869م على الانتهاء حتى وجد الاسم الصحيح للكتابة السومرية وبفضل يوليس أوبرت و الذي ألقىمحاضرته في الجمعية الفرنسية للمسكوكات والاثار في 17 كانون الاول من نفس العام والتي اعلن فيها يجب ان تطلق تسميةاللغة السومرية على اللغة الجديدة والمتكلمون بها هم السومريون الا انه قوبل برفض شديد من قبل جوزيف هاليفي والذي بدأ من عام 1870م ولثلاثة عقود متتالية محاولاته المستمرة لتفنيد وجود مثل هذه اللغة من خلال مقالات وبحوث قام بنشرها ليدعم بها رأيه وأيده في ذلك علماء اشوريات بارزون لما اعتقده هاليفي من ان هذه ليست لغة اخرى بل رموز سرية ابتدعها كهنة بلاد بابل لتدوين اسرار شعائرهم الدينية وشغلت هذه الحملة ضد اللغة السومرية علماء المسماريات والمرتكزة على اسس غير صحيحة لفترة طويلةحتى اتضحت حقيقة اللغة السومريةبشكل دامغ، وقد استندت دراسة هذه اللغة في اول الامر على نصوص ثنائية اللغة من تل قوينجق، وفي عام 1877م بدأت التنقيبات الفرنسية في موقع مدينة كرسو القديمة (تلو بالقرب من الدوايه في محافظة ذي قار) حتى استخرجت الاف النصوص السومرية، واستمرت هذه النصوص بالتدفقبعشرات الالاف حين نقبت مواقع مدن نفر وشروباك، ونشر أ. هــ. سايس أول نص سومري أحادي اللغة في عام 1871م وهو نص يعود للملك شولكي، ثم نشر فرانسو لينورمان منذ عام 1873م عدة نصوص سومرية ثم توالت دراسات كل من باول هاويت و ر. أي. برونو نصوص سومرية متنوعة بين عامي 1905م و1907م، ولينشر جي. د. برنس أول معجم سومري وليشهد عام 1905م انجازاً علمياً هو صدور كتاب " نصوص سومر واكد " الذي أعده عالم المسماريات الفرنسي ف. ثور ــ دانجن الذي اعتبر حجر الاساس في علم السومريات، ولتتوالى بعد ذلك الدراسات في السومريات خلال القرن العشرين، إذ ظهر كتاب آرنو بويبل الخاص بأسس القواعد السومرية عام 1932م، وتلاه كتاب جــ. جي. كاد عن القراءات السومرية عام 1924م ثم كتاب انطون دايمل عن القواعد السومرية عام 1939م.

 ان الكتابات الرافدية القديمة، برغم صعوبتها الشديدة وتعقد مواضيعها وطوال الفترة التي استغرقتها عملية حل رموزها الا انها كانت من الاهمية وثرائها الحضاري الحافز المشجع والدافع المحرك لمواصلة حل رموزها وترجمتها ليس كغيرها من كتابات اخرى وفي مناطق مختلفة من العالم والتي لازالت على حالها بالرغم من اكتشافها منذ زمن طويل مثل الكتابة الصورية للأتروسكان الذين عاشوا في ايطاليا قبل الرومان بزمن طويل

 رابعا: التوزيع والنمو السكاني :

اعتبر (جبيون) أن سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية أمام البرابرة هو تناقص عدد الرومان بفعل الأوبئة و الترف والحروب. والعراق عانى بعد 1958 استهدافا لسكانه تم على محورين التشتيت العشوائي للبنية التحتية السكانية والتصفية الجسدية بخطة منظمه بدأت بتهميش مدن العراق، فقد كان وضع ألوية العراق يتناسب إلى حد ما مع توزيع التجارة والدفاع والحكم، فالموصل مركز دفاعي يتمركز فيه لواء كامل في سنة 1937 وهي أيضا مركز تجاري مهم حيث منطقة الجزيرة تزود العراق بالحنطة لكنه ضعف (مركز الموصل) بعد حركة الشواف.

 

......................................................

(*) أستاذ الآثار والتاريخ والفن والحضارة المشارك / هولندا

......................................................

المصدر : موقع علوم إنسانية:-

http://www.ulum.nl/i

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ: 2010/03/30   ||   القرّاء: 6875



جميع الحقوق محفوظة لمركز آل الحكيم الوثائقي 2008 ـ 2024

||  يسمح للجميع الاقتباس مع ذكر المصدر  ||
تصميم، برمجة وإستضافة:   

الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net