الصفحة الرئيسية

  القرآن الكريم

  أهل البيت عليهم السلام

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  شهداء آل الحكيم

  معرض صور آل الحكيم

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  أعلام آل الحكيم

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  أخبار هامة

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  التراث العلمي

  صور الفيس بوك

  قصص وضحايا

  مواقع صديقة

  من نحن

  إتصل بنا



البحث في الموقع









جديد الموقع




 أسرة الإمام الحكيم (قدس سره) تقيم مجلسها السنوي بذكرى ايام عاشوراء

 مكتب سماحة السيد عمار الحكيم (دام عزه) يقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل عزيز العراق (قدس سره)

 مكتب سماحة السيد عمار الحكيم (دام عزه) يقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد شهيد المحراب (قدس سره)

 المؤمنون في العالم يحيون يوم الشهيد العراقي

 الجالية العراقية في لندن تقيم حفل تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لإستشهاد سفير المرجعية

 أسرة الإمام الحكيم (قدس) تقيم مجلس تأبيني بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم (قدس)

 البرنامج الجماهيري السنوي في العراق احياءاً لذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع)

 أسرة الإمام الحكيم (قدس سره) تقيم مجلسها السنوي في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام

 نشاطات بعثة شهيد المحراب (قدس سره) في الديار المقدسة .. مصور

 مسجد وحسينية آل ياسين في الكاظمية المقدسة تستضيف آية الله السيد جعفر الحكيم (دام عزه) .. مصوّر




صور عشوائية




 سماحة آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)

 سماحة العلامة السيد صادق السيد محمد باقر الحكيم (رض)

 سماحة السيد حيدر السيد محمد باقر الحكيم (دام عزه)

 سماحة آية الله السيد رياض السيد محمد سعيد الحكيم (دام عزه)

 الشهيد حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم (قدس سره)

 مرجع الطائفة الإمام آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره)

 سماحة آية الله السيد محمد جعفر السيد محمد صادق الحكيم (دام عزه)

 شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)

 سماحة آية الله السيد جعفر السيد عبد الصاحب الحكيم (دام عزه)

 سماحة حجة الإسلام السيد محمد كاظم الحكيم (قدس سره)





إحصاءات


  • الأقسام الرئيسية: 11

  • الأقسام الفرعية: 35

  • عدد المواضيع: 204

  • التاريخ: 28/03/2024 - 14:45







  • القسم الرئيسي: بانوراما.

        • القسم الفرعي: تاريخ وحضارة.

              • الموضوع: مفهوم الديمقراطية.

مفهوم الديمقراطية

مفهوم الديمقراطية

 

الأستاذ جمعة الطلبي (*)

 

الديمقراطية عملية متعددة الأوجه ذات أبعاد متشابكة سياسية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية، جوهرها توسيع دائرة المشاركة الشعبية في إتخاذ القرارات والرقابة الفاعلة على تنفيذها، وذلك على جميع المستويات وفي مختلف الميادين، لكنها لن تتجسد حقوقياً ومؤسسياً إلا حين تجد فيها أوسع قطاعات الشعب مصلحتها، فتطالب بها وتعمل على تحقيقها وصيانتها، لذلك يكون من الوهم الإعتقاد بأن الديمقراطية والحرية تأتي هبة من الحاكم أو تفرض فرضاً من خارج المجتمع.

تعد فكرة الديمقراطية وتكريس مفاهيم الحرية من السمات الأساسية في الفكر السياسي الحديث. وكان يعتقد وحتى وقتٍ قريب أن هذه الآليات في الحكم وهذه القيم المشتركة، تعود بجذورها الأولى إلى الحضارة الإغريقية القديمة، وتحديداً إلى دولة مدينة أثينا، نتيجة الإصلاحات التي قام بها صولون (594-575 ق.م).([1])  إلا أن الدراسات الآثارية والتأريخية الحديثة قدمت مجموعة من الأدلة الأقدم عن تنظيماتٍ تشبه المؤسسات الديمقراطية، في الكثير من مناطق الشرق الأدنى القديم، وتحديداً في بلاد وادي الرافدين. هذه الأدلة عن الديمقراطية ستكون محور هذا البحث.

ما نعنيه بالديمقراطية هنا المؤسسات والنشاطات الديمقراطية، التي تتضمن التمثيل الواسع للمواطنين. فقد كانت الديمقراطية تعني لأهل أثينا (دائرة الحكم)، وهي تشير إلى فئاتٍ من المواطنين الذكور، كانوا يؤلفون الجماهير الإنتخابية. وحصر الاثينييون المشاركة بالرجال الراشدين من العائلات القديمة فقط، وإستثنوا القادمين الجدد، الذين تجاوز عددهم المواطنين المحليين لشعب أثينا. وحددت روما فيما بعد المواطنين الذين يمكن أن يشاركوا في تمثيل مؤسساتها([2]) .

وجدت في مناطق من الشرق الأدنى القديم مؤسساتٍ مشابهة ربما تكون- أو لا تكون- قد تمت عملية إنتخاب ممثليها، أو جرى التصويت فيها من خلال هؤلاء الممثلين. كانت الأدلة عن إختيار هؤلاء الممثلين ووظائفهم غير رسمية ( شعبية)، في معظم الأمثلة التي لدينا، لكن هذا الأمر لا يخفي القوة الفعلية لهذه المؤسسات.

يجب أن ننظر هنا إلى الأمثلة عن مثل هذه المؤسسات وفق تسلسلها التعاقبي، حتى ولو أن القصص تزودنا بأحداثٍ ربما جاءت من عصورٍ متأخرة، لذا يجب إستعمالها بحكمة، خاصة عندما تصف أزمانٍ أقدم. ظهرت الآلية الأقدم للحكم الديمقراطي، من خلال أقامة )مجلس (أو (جمعية(  في دويلات المدن في القسم الجنوبي من بلاد وادي الرافدين([3]).

عرف هذا المجلس عند السومريين تحت إسم ( أُوكين= (Ukkin، وترجمه الأكديون فيما بعد تحت إسم ( بُخوروم=  puhrum)، الذي جاء من معنى الفعل   (ليجتمع معاً). ويشير هذا المصطلح إلى مؤسسةٍ أو تجمعٍ غير رسمي لمجموعة من الناس([4]) .

ويبدو أن هذه المؤسسة كانت مسؤولةً عن توجيه وإدارة المدن الكبيرة في الجنوب الرافديني، رغم أن النصوص الأرشيفية التي ذكرتها لم تصف لنا كيفية إختيارها وما حدود قوتها([5]) . وقد أشار  بعض الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع، إلى أن العضوية في مثل هذه المؤسسة كانت تنحصر بالمواطنين من الذكور الأحرار، ولو أنه من الصعب تحديد مصطلحات، مثل المواطنين والأحرار، وربما تكون رؤيتهم هذه واقعة تحت تأثير تركيب مثل هذه المؤسسة في الحضارة الإغريقية([6]). الأدلة التي ترتبط بحقوق الأفراد الذين يحق لهم المشاركة في مناقشات وقرارات هذه المؤسسة غامضة إلى حدٍ كبير.

يرى بعض الباحثين أن هناك صعوبات كبيرة في تفسير بعض النصوص، التي تتعلق بالمؤسسات الإدارية، مالم يتم الإستناد إلى وجود نظام يمت إلى (الديمقراطية البدائية)، حيث كان مسيرو الأمور " الشيوخ " يستشيرون ندوات      ( مجالس) الرجال[7] . إن ما ذهب إليه هؤلاء الباحثين يعيد إلى الذهن ما كان قد أكده من قبل الباحث " ثوركيلد جاكوبسون " ، من أن الديمقراطية البدائية كانت هي الصورة التي إتخذها الحكم في العراق القديم قبل أن تقود صعوبات التطبيق التي فرضها في وقت لاحق التطور التاريخي إلى وجود النظام الملكي بالشكل الذي نعرفه عبر مختلف الأدوار التاريخية.

إن مفهوم الديمقراطية البدائية، الذي أشرنا إليه أعلاه، كان قائماً في الجوهر على أساس من جهاز شعبي يتمثل في مجلسين،(المجلس العام) و(مجلس الكبار)، ويؤكد "جاكوبسون" أن من الصعب الجزم بصدد العهد الذي إزدهرت فيه الديمقراطية البدائية وإزدهر معها هذان المجلسان، ولكن الملاحظ هو أن المدة التي قد ظهرت فيها الكتابة(في حدود 3200 ق.م.)، كانت قد شهدت الآثار المتبقية لهذه الديمقراطية وبالتالي لهذين المجلسين. وإستناداً لرأيه كانت السلطة العليا في أقدم مجتمع سومري بيد مجلس يضم جميع المواطنين – ولعله ضم النساء والرجال يجتمع ليقرر ما يجب عمله في الحالات الطارئة والتي تنذر بالخطر. وكان لكل مواطن حق الكلام. غير أن رأي بعضهم، لاسيما الرجال المسنين، كان طبيعياً أكثر وزناً من رأي الآخرين[8].

ويرى الباحث "هنري فرانكفورت " أن هذين المجلسن وجدا مع وجود المدن نفسها. ويحاول في معرض تفسيره لقضية تحول سلطة الملك إلى سلطة دائمة وثابتة أن يعزو هذا التحول إلى ما يسميه " بشرور الدولة " فيقول : ( ولكن من الناحية العملية لم يكن بالإمكان مواجهة " شرور الدولة " عن طريق هذا التعيين المؤقت للملك). ويبدو أن الحاجة إلى النشاط السريع باتت تمثل حاجة دائمة، وذلك منذ أن توقفت الوحدات الإجتماعية الأساسية أن تكون صغيرة ومعزولة. إن تشكيل المدن، وتشكيل دويلات المدن كان قد مثل المناسبة التي تمخضت عنها النزاعات المتعددة بين هذه الوحدات الإجتماعية الأساسية، وهكذا فإن الملك كان بإستمرار في حالة إنذار مستمر ترتيب عليها ديمومة سلطته[9].

لكن "جاكوبسون"  يجعل من وجود هذين المجلسين حقيقة ثابتة بقدر ما يؤكد بأن المؤسسة الأكثر قدماً في وادي الرافدين كانت قد تمثلت بمجلس يضم كل ّ من الناس الأحرار إلى جانب آخر كانت سلطته تنصرف إلى معالجة الأمور اليومية ويضم مجلس الشيوخ [10].

 ويقترب هذا الرأي مع ما قاله " هنري فرانكفورت" من أن :( أقدم هذه المؤسسات السياسية التي عرفت آثارها للآن كانت تتميز بروح المساواة، إذ يظهر أن السلطة السياسية كانت في الأصل بأيدي المواطنين وكانت السيادة في مدينة الإله تنحصر في مجلس يضم جميع الذكور الأحرار- كما نظن- يقوم بإرشاده جماعة من الكبار الذين كانوا فيما يبدو فضلاً عن هذا مسؤولين عن الشؤون اليومية، وكان يضمهم مجلس خاص بهم، ويبدو أن سيادة الدولة سواء أكانت مستقلة أم خاضعة لجار أو لحاكم لم يكن بالإمكان أن توجد بعيداً عن مجلسها، لاسيما المجلس العام الذي يتألف من مواطنيها [11].

 وقد أشار عالم السومريات " صموئيل نوح كريمر" إلى أن أول برلمان عقد في العالم كان على أرض العراق القديم، قائلاً : ( إن أول مجمع سياسي للإنسان " مجمع بمجلسين تشريعيين"  حصل قبل أربعة آلاف وخمسمائة سنة، وذلك لإتخاذ قرار بالنسبة لمشكلة الحرب والسلم التي كانت من بواعث الألم في ذلك الوقت)[12].         

نقرأ في الحكاية الشهيرة في آداب بلاد وادي الرافدين التي تصور حالة الصراع بين (گلگامش) حاكم مدينة الوركاء الشهيرة و(آگا) حاكم مدينة لگش (إحدى مدن الجنوب الرافدين)،عن أحداثٍ ربما من عصر فجر السلالات من زمن يسبق  2700 ق.م. - تميز هذا العصر بالصراع بين دويلات المدن الكثيرة في جنوب بلاد وادي الرافدين- فيها مجموعتين من الإستشاريين، يبدو أن لهم تأثيراً على إدارة الملوك([13]).

إذن فقد إلتأم هذا البرلمان بمجلسيه في جلسة خطيرة في الألف الثالث ق.م. وكان مؤلفاً( من مجلس الأعيان أي "مجلس الشيوخ"، ومن مجلس العموم " النواب" المؤلف من المواطنين القادرين على حمل السلاح) [14].    

تتكون المجموعة الأولى من الرجال المسنين(ab-ba)، وهم مجلس الشيوخ، الذين وصفتهم القصة بالمستشارين، ويبدو أن ماقدموه من نصح إلى الملك گلگامش أزعجه وجعله يتوجه إلى المجموعة الثانية، التي تضم الرجال القادرين على القتال(gurush –uru أو mes)[15]، الذين كانوا جميعاً مع الملك ورغبته في القتال. نعرف من سياق القصة أن الملك گلگامش كان مصصماً على المقاومة وعدم الإنصياع لطلب الخصم بالإستسلام، إلا أنه كان ملزماً أيضاً بالرجوع إلى مواطنيه لأخذ مشورتهم قبل إتخاذ أي قرار نهائي. وبعد عرض الأمر على مجلس الشيوخ، وتذكيرهم بوجوب عدم الإستسلام لمطالب ملك كيش وضرورة حمل السلاح والمقاومة. لكن الشيوخ خذلوه عندما إتخذوا قراراً يقضي بالموافقة على الإذعان لمطالب العدو، مفضلين العيش بسلام على حمل السلاح. عندئذ إلتجأ گلگامش إلى مجلس" رجال المدينة أو مجلس النواب "، الذي كان يضم رجال المدينة من المحاربين، وطرح عليهم الأمر للمناقشة، فجاء ردهم : " لا تذعن لبيت كيش ولنضربه بالسلاح " [16].  يعتقد بعض الباحثين أن المجموعة الثانية ( رجال المدينة) لم تظهر في نواح ٍ أخرى في الحياة السياسية، لذا أُقترح أن وجودها في النص كان عنصراً أدبياً، ولايعكس واقعاً مبكراً. أما المجموعة الأولى وهم مجلس المسنين، فكانوا معروفين بنواحٍ وأدوارٍ أخرى[17]، على الرغم من ذلك، فالقصة هنا ربما تصور على نحوٍ كامل أهميتهم لأنهم عارضوا رغبة الملك، وقد أعطى القاص ﻟ(گلگامش) دعم وإسناد الإله([18]) . وتوسعت هذه المادة (الأدبية) في أثرٍ أدبي آخر هو ملحمة گلگامش، التي كتبت باللغة الأكدية. وفي  النسخة المعروفة لنا من ألواحٍ وجدت في مكتبة الملك الآشوري آشور- بانيبال (668-626 ق.م ) في نينوى، نسمع عن مجلسين أيضاً  نصحا - ﺑ أو ضد- فعلٍ متهورٍ بالذهاب في مغامرة بعيدة، إذ كان الرجال المسنين ضد هذا التوجه، على حين شجع الشباب مثل هذا العمل.  فنقرأ في نهاية اللوح الثاني من الملحمة، كيف أن گلگامش قد إجتمع بسكان مدينة أوروك، وبعد أن جلس على العرش مواجهاً لهم. بدأ بالتحدث لشيوخ المدينة عن عزمه مقاتلة الوحش(خمبابا) في غابة الأرز والإنتصار عليه ليجعل البلاد كلها تعرف أن سليل أوروك هو الأقوى، ويبلغهم أنه سيقوم بقطع أخشاب الأرز ويقيم لنفسه إسماً خالداً. ثم يخاطب شباب أوروك ويخبرهم بإقدامه على خوض المعركة مع الوحش (خمبابا) ويطلب مباركتهم له في رحلته، ويعدهم أنه سيقوم حينذاك بتوسيع إحتفالات رأس السنة ومضاعفتها. وهنا ينهض الشيوخ ويشيرون إلى گلگامش بعدم الذهاب ومواجهة (خمبابا)، ويذكرونه بأنه لم يزل شاباً لايفهم ما يتحدث عنه[19]. من الواضح من سياق القصة أن الملك نال موافقة رجال المدينة، فذهب في رحلته. ما يهمنا هنا هو أن گلگامش، ورغم جبروته كما جاء في نص الملحمة، لم يستطع أن يتجاوز المجلسين، ودخل معهما في نقاش، بدليل أنه ورغم عدم إستجابته لرأي مجلس الشيوخ، إلا أنه نال مباركتهم في آخر الأمر ، ويبدو أنه أقنعهم بضروة تحقيق رغبته.

يوضح لنا الباحث الروسي " دياكونوف" وهو يمعن  البحث في إيجاد الأدلة على وجود هذين المجلسين بأن تحليل مدونات مسلة " مانشتوسو" (2269- 2255 ق.م.)،( هو الإبن الثاني لمؤسس السلالة الأكدية سرجون)، يبين أنه لا (مجلس الكبار) وحده وحسب بل كذلك( المجلس العام) هو الآخر كان يلعب دوراً فعالاً في الحياة السياسية خلال العصر الأكدي. كذلك فأن قصة حرب الملك  " نرام – سين" ( 2254- 2218 ق.م.)،( الملك الرابع في السلالة الأكدية، وهو حفيد المؤسس سرجون) مع حاكم مدينة كيش، تشير إلى(المجلس العام) في كيش. وتشير إحدى كتابات الأمير السومري " گوديا" (2141- 2122 ق.م.) إلى المجلسين معاً، مما يؤكد دور ( المجلس العام) إلى جانب (مجلس الكبار). ويبدو أن المجلسين كانا يلعبان دوراً ملحوظاً في حياة الدولة في بلاد بابل في عهد حمورابي (1792- 1750 ق.م) في القرن الثامن عشر ق.م، ولكنهما ما لبثا أن أصبحا بعد ذلك، مجرد أجهزة خاصة بالإدارة المحلية[20].                   

لدينا إشارات ودلالات جيدة من نصوص أدبية من عصر أور الثالثة         2004-2112)  ق.م (تبين أن ملوك هذه السلالة إعتمدوا على موافقة المجلس، وأن هناك رجلان كانا يعرفان بـ (الرؤساء أو الزعماء =heads ) لهذا المجلس، وكانا معروفين. ربما كان هذا المجلس مؤسسة للمدينة فقط، أو أنه يمكن أن  يمثل هيئة من كل المنطقة التي كانت تحكم من قبل تلك  الدولة.

على نحوٍ عام يمكن القول أن مصطلحات (المسنين)، أو(الشيوخ)، و(الرجال)، أو(الشباب) قد ظهرت في سياقات أخرى، ولكن تفسيرها كان صعباً جداً. فالمصطلح الأول (الشيوخ= (ab –ba  في اللغة السومرية و(šibutum  ) في اللغة الأكدية يبدو أنه يشير إلى مجموعة من الرجال ضمن تجمعات متنوعة، مثل المدن والقبائل وهيئات المعبد والقصر. وهي تضم على ما يعتقد رؤساء أو زعماء العائلات الذين ظل تأثيرهم في الممارسات العشائرية، وبرزوا في النصوص منذ مطلع الألف الثاني ق.م وكان دورهم هذا يتداخل مع وصول الأقوام الآمورية الغربية في أواخر الألف الثالث ومطلع الألف الثاني ق.م[21]. ولكن هذا التفسير يعتمد كلياً على مثالٍ غير مؤكد عن أعداد  المقيمين من البدو بشكلٍ مؤقت في تاريخ بلاد وادي الرافدين، ولا يفسر الظهور العام لـ(المسنين) في نصوص من تاريخ  يسبق الألف الثاني ق.م. ففي السجلات الإدارية من عصر سلالة أور الثالثة، حدد الموظفين من المراتب العليا على أنهم من (المسنين) تميزاً لهم عن الأشخاص العاديين، وبعضهم كان مبعوثاً للملك[22].

حتى الآن فأن تفسير هؤلاء الرجال كـ(نخبة) أو كـ(طبقة عليا) يبدو مناسباً أكثر من أن يكونوا رؤساء عائلات. وهؤلاء (المسنين) ليسوا هم كل من في المجلس، إذ أن هناك الكثير من السياقات التي تذكر (المسنين والمجلس) فعلاقتهم الدقيقة بالمجلس صعب تحديدها، ومن الممكن أنهم عملوا كلجنة إجرائية داخلية، وربما حددوا ما هي الأمور التي يمكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل كل الهيئة على سبيل المثال[23].

أما المصطلح الآخر وهو(الرجال)، الذي يقابله باللغة السومرية كلمة(گوروش=guruš )[24]، وتعني " رجال المدينة " كما في نص ملحمة گلگامش، فأنه هو الآخر يكتنفه الغموض، فهو غالباً ما كان يشير إلى المعتمدين أو التابعين للقصر في أواخر الألف الثالث ق.م. فإذا كان هذا التفسير صحيحاً لهذه الكلمة في هذا السياق، فأنها يمكن أن تلغي تفسير (المجلس) كهيئة مستقلة تمثل المواطنين. ويمكن أن يستعمل نفس هذا المصطلح للإشارة إلى (الرجال القادرين على القتال)على نحوٍ عام، وربما كان هذا المعنى المقصود في سياق الكلام عن الجمعية في هذا النص. أما مسألة وجود أي قيودٍ أو شروطٍ لإلتحاق الرجال بالمجلس أو الجمعية، فأن هذه القضية غير واضحة أيضاً. ولا توضح (ملحمة گلگامش) كيف وكم عدد الرجال الذين يشغلون المجلس أو الجمعية في مدينة الوركاء[25].

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى مسألة مشاركة النساء في مثل هذه المجالس، إذ غالباً ما يترك هذا الأمر من قبل الباحثين كلياً أو يكتفون بالإفتراض السهل، وهو أنهنَّ لم يشاركنَّ في هذا التجمع. ليس فيما ذكرنا أعلاه من أمثلة ما يشير إلى مشاركتهن، ولكن ربما يكون هذا ناتجاً من غموض المعلومات بشكل عام. لدينا إشارات في بعض نصوص الفأل من العصر البابلي القديم ( 2000- 1595 ق.م) تذكر : (أن النساء سوف يكشفنَّ عن أعمال المجلس)،ربما تشير هذه العبارة إلى أنهنَّ قد حضرنَّ المناقشات، ولكن من الواضح أن النساء يمكن أن يعلمنَّ هذه الأمور بطرق مختلفة. وتبقى مسألة مشاركتهنَّ من المسائل التي من  الصعب الإجابة عنها بوضوح[26].

وهنا لابد من الإشارة إلى أن التلميحات والإشارات الأدبية عن كيفية  إتخاذ الآلهة للقرارات أثناء إجتماعاتها الكبرى، والتي كانت تتم بالإجماع، ربما كانت تعكس ممارسة سياسية في بلاد وادي الرافدين في مرحلة مبكرة، وأنها يمكن أن تؤخذ كدلالة لما عرف بـ(الديمقراطية البدائية)[27].  بإفتراض قبولنا لمبدأ أن نظام الآلهة هو إنعكاس لنظام المجتمع البشري كما كان في الذاكرة عن الوقت الذي تبلور فيه ذلك المجتمع. وهي الرؤية التي طرحها الباحث "جاكوبسون" فيما عرف بالدولة الكونية، والتي يرى أن السلطة التي كانت تسودها هي سلطة إجتماعية، وأنها إنعكاساً لواقع الدولة الفعلية التي سادت في العراق القديم في عصور ماقبل التاريخ ( قبل 3200 ق.م، وهو تاريخ إكتشاف الكتابة). ويرى أن هذه الدولة الكونية كانت قد إحتضنت إلهين رئيسين هما " آنو" و" أنليل"[28]، وهما يمثلان السلطة في هذه الدولة. ولكن من الملاحظ أن العراقي القديم كان قد ميز بشكل واضح ما بين السلطة وهي تمارس من قبل الإله " آنو" والسلطة وهي تمارس من قبل الإله " أنليل". فالسلطة التي يمارسها الإله الأخير ترتبط بتنفيذ أحكام المجتمع الإلهي، أما السلطة التي يمارسها الإله " آنو" فإنها سلطة إتخاذ القرارات، فسلطته تمثل السلطة الأصلية، بينما سلطة الإله " أنليل" تمثل السلطة التابعة. إن سلطة الإله " آنو"، التي تمثل السلطة الأصلية لم تكن سلطة مفروضة على المجتمع الإلهي، إذ أنها كانت تمثل السلطة التي( تدعو إلى الولاء بمجرد وجودها، إذ يمثل لها المشاهد لا بالضغط الخارجي بل بالأمر القاطع الصاعد من أعماق روحه)[29].

إن سلطة الإله " آنو" في هذه الخاصية التي تتميز بها تسمح لنا في تصور السلطة التي كانت قد قامت في عصر ماقبل التاريخ من الناحية الفعلية، إذ كانت تمثل سلطة تتسم بذات الخاصة التي تتميز بها سلطة الإله " آنو" ، أي أنها كانت سلطة تمارس من قبل المجتمع وليس بالضغط الخارجي. ومثل هذا التصور يبيحه في الواقع ما ذهبنا إليه من قبل من أن صورة الدولة الكونية لم تكن إلا إنعكاساً لواقع الدولة الفعلية التي سادت في تلك العصور.

ويتابع "جاكوبسون" أسس التنظيم الكوني في الفكر العراقي القديم ويشير إلى أن (ما يراه العراقي القديم من حقائق عن نشوء الأرض في بلده هو الأساس في تأمله في أصل الكون، فأن بعض ما يعرفه عن نشوء تنظيمه السياسي يهيء الأساس لتأمله في تنظيم الكون. إنه يرى أصل النظام الكوني في صراع مستديم بين مبدأين هما القوى الدافعة إلى الحركة والقوى الدافعة إلى السكون. وفي هذا الصراع يتحقق النصر الأول على السكون للسلطة بمفردها. ثم يتحقق النصر الثاني، وهو الحاسم، للسلطة مرفقة بالقوة. وهذا التطور يعكس، من ناحية تطوراً تاريخياً من التنظيم الإجتماعي البدائي الذي لا يملك إلا العرف والسلطة دون دعمهما بالقوة لضمان العمل الجماعي من قبل الجماعة، إلى تنظيم الدولة الحقيقية التي يتمتع فيها الحاكم بكليهما " السلطة والقوة "  لضمان العمل الجماعي الذي لابد منه ...)[30]. بعبارة أخرى إنه يعكس تطوراً من السلطة الإجتماعية التي سادت في عصور ما قبل التاريخ إلى السلطة السياسية التي ظهرت بعد ذلك.

يحدثنا الباحث "هنري فرانكفورت" عن بقايا الديمقراطية البدائية، بعدها واحدة من الخصائص التي ميزت النظام السياسي في بدء قيام المملكة والمدن، ويوضح أن( الشيوخ الذين كانوا مكلفين بإدارة الشؤون العامة المتعلقة بالوحدات الإجتماعية الخاصة بهم، لم يكونوا مجرد ذوي نفوذ داخل هذه الوحدات، وإنما كانوا رؤساء عوائل، ذلك لأنه كانت تتم الإشارة اليهم باللفظة السومرية( ab-ba )، التي تعني الأب. فيبدو أنهم كانوا يمثلون همزة الوصل مع الديمقراطية البدائية والتنظيم الأول للمجتمع الذي إتخذ في الجوهر شكلاً عائلياً أو عشائرياً، قائماً على أساس القرابة. فالديمقراطية البدائية تبدو قرينة الوحدة العائلية أو العشائرية القائمة على اساس القرابة، وإذا ما تم التحول من العلاقة القرابية إلى العلاقة المكانية، مع قيام المملكة والمدن، فأنه كان قد تم تحت تأثير الصعوبات التي واجهها تطبيق الديمقراطية البدائية بسبب الطابع التوسعي الدائم الذي تتخذه عادة العلاقة القرابية ولاسيما العشائرية منها، والذي يجعل من الصعب ضمان المناقشة وبالتالي الإجماع في إتخاذ القرارات[31].

وإذ ماتذكرنا أن الملكية كانت قد نشأت تحت ضغط الظروف، في جماعة لم تكن تعترف في الأصل بالسلطة لشخص، كما يقول فرانكفورت، وأن هذه الجماعة كانت تتمسك بالديمقراطية البدائية، وإذا ما تذكرنا كذلك بأن الوحدة الإجتماعية التي تمسكت بالديمقراطية البدائية هي وحدة إجتماعية قائمة على أساس من علاقة القرابة، وإذا ما تذكرنا في الأخير بأن الديمقراطية البدائية هي التجسيد الفعلي للسلطة الإجتماعي، فأنه سيكون من السهل القول بأن السلطة الإجتماعية كانت قد وجدت في ظل وحدة إجتماعية متميزة قائمة على أساس من علاقة القرابة. وقد أشار الباحث " دلابورت " إلى أن ( التنظيم الإجتماعي في العراق القديم كان قد إتخذ في الأصل طابعاً قبلياً، حيث كانت كل قبيلة قد إحتلت جزءاً من الأرض المترامية الأطراف، وأقامت فيها تحت رياسة رؤساء يقون بإدارة شؤونها). وكانت هذه المشتركات الريفية أو المشتركات الريفية المتحدة في " مناطق "، التي شغلتها هذه القبائل، كانت تمتلك الهيئات الخاصة بحكم نفسها بنفسها عن طريق     " المجالس العامة" و " مجالس الشيوخ"[32] .     

نشير إلى جانب آخر تسوده الروح الديمقراطية في معظم العصور، وهو النظام القضائي، حتى أن أحدث الترجمات أخذت تترجم مصطلح (المجلس أو الجمعية) بوصفه يعني( قاعة القانون)[33].  

ليس واضحاً كيف تعمل هذه الجمعيات أو المجالس أو من يشارك في عملها ولو أن بعض الأمثال من الألف الأول ق.م. تفترض بأن أي واحدٍ أو ربما الذكور الأحرار فقط يمكن أن يحتلوا موقعاً في هذا المجلس، رغم أن  الأمثال تُظهر دائماً بأسلوبٍ تهكمي، أن الفرد يجب أن يكون أحمقاً لعمل ذلك:

لا تذهب للحضور في المجلس.

لا تظل في المكان نفسه في النزاع.

على وجه الدقة في الصراع ربما يفاجأك القدر.

فضلاً عن أنك ربما تجعل شاهداً عليهم.

وهكذا فأنهم ربما يأخذونك بسبب الشهادة في قضية ليست قضيتك[34].

ورغم الميل العام في تاريخ بلاد الرافدين لزيادة المركزية في عمل  السلطة السياسية، إلا أن المجالس أو الجمعيات ظهرت لتكون مقرات أساسية للسلطة العليا أو حتى إنتخاب الملوك أو لتقرير الحرب والسلام في أوقات الأزمات. وكان هناك ميلاً لتعيين موظفي  المجلس، ومن بينهم القائد الحربي، وأدى هذا الأمر مع مرور الزمن إلى تسهيل وتنامي قوة الملوك الذين كانوا في الأصل قادة حربين[35]. نعرف من مسلة حمورابي الشهيرة )1792-1750ق.م.) أن الرجال المسنين في المدن تولّوا مجموعة من المسؤوليات، عندما لا أحد أخر كان موجوداً ليأخذ على عاتقه مثل هذه المسؤوليات، وترينا إشارات أخرى بأن الجمعية ضمت قضاة وشهود الأعمال القضائية[36].

يرينا سجل من العصر البابلي القديم لمحكمة عقدت للنظر في جريمة قتل، أن هذه المحكمة عقدت على الأرجح في مقر الجمعية من أجل إتخاذ قرار قضائي في الموضوع [37]. ويرينا النص كذلك أنواع من الحرفيين من الرجال الذين تحدثوا في المجلس، منهم صائد الطيور والفخّار والبستاني، وربما لم يكن يدفع لهؤلاء مقابل حضورهم للجمعية وإشتراكهم فيها، وليس واضحاً كيف يجد هؤلاء الأشخاص وقت فراغٍ لأداء مثل هذه الأعمال العامة، فضلاً عن أعمالهم الخاصة [38]. ويظهر دائماً برفقة هؤلاء العمال- الناجحين على ما يفترض- طبقة تعرف بـ(المشكينم)[39].

 إذا ما إنتقلنا إلى مناقشة أسلوب عمل المجموعات القبلية في مدينة ماري(قرب البوكمال في الحدود العراقية السورية) في العصر البابلي القديم على سبيل المثال، نجد أنه يشابه إلى حدٍ كبير الأشكال الديمقراطة عند الإغريق، رغم أنه يسبقها بأكثر من ألف عام. نستطيع أن نفهم هذا التوظيف العالمي من خلال إدعاء ملك ماري، أنه كان قائداً قبلياً أيضاً، وهكذا فأنه أراد أن يرضي جمهور الأنصار المتنوع وليس فقط القيادة المتحضرة، والتي كان باقي ملوك بلاد وادي الرافدين دائماً ما يبحثون عن  دعمها.وكان الشيوخ المسنين مجموعة مهمة فيها، وكذلك كانت المجالس والجمعيات، وأن التقاليد الديمقراطية القوية ظهرت فيها وكانت الأقوى في المدن الأقدم[40].

وتوجد بعض الأدلة من بلاد آشور( الجزء الشمالي من بلاد وادي الرافدين)  عن الإدارة العامة في العصر الأشوري القديم( 2000-1500 ق.م.)، إذ يظهر (قائد الميناء) أو(المؤسسة التجارية) وهو يتخذ القرارات، ولكن بعد موافقة الرجال الكبار ( الشيوخ) على سماع القضية. وحتى فيما بعد، وحين كان الملوك أقوياء، فهناك أدلة تشير إلى أن الملك كان يعير إهتماماً للمواطنين على الأقل من العائلات الكبيرة في آشور[41].

 لدينا رسالة غامضة إلى حدٍ كبير ولكنها ذات دلالة في هذا المجال، من آخر ملك آشوري مهم هو الملك آشور- بانيبال (668-626 ق.م) إلى هيئة مجهولة هي   ( شيوخ عيلام) كان لديهم شكوى عن سوء المعاملة، كما ألمح هؤلاء المسنين إلى أنهم كانوا مسؤولين عن مصير منطقتهم السياسي[42].

كانت الأدلة عن عملية التصويت في المجالس في الشرق الأدنى القديم ضعيفة، وربما كانت هذه العملية ابتكاراً إغريقياً [43]. إعتمدت الجمعيات السابقة على الإجماع، ولكن هناك بعض  الأدلة عن عملية تصويت بواسطة مجموعات في أوقاتٍ من العصر الأشوري القديم في حوالي 1800 ق.م. إذ  نقرأ في فقرة من حكم قضائي في نصٍ متشظٍ ، [الكاتب (كاتب المحكمة) سوف يقسمهم إلى (ثلاثة) وأنهم سوف يحسمون (القضية). وحيث أنهم لم يحسموا (القضية)، على المجتمعين الكبار والصغار(يجب أن يحسموا القضية) لجيرانهم ( في الفم) من الأغلبية، و... ( في الفم من) الأغلبية عليهم أن يحسموا القضية[44] .

إن الميل نحو الديمقراطية كان توجهاً عالمياً لأن مثل هذا النظام يعزز الاعتقاد لدى المحكومين بأنهم يشاركون في صنع القرارات، لذا فأن لهم حصة في النجاح السياسي. وقد عبر الباحث " ليڤراني " عن هذا الأمر بشكل جيد، إذ قال:  (إن الديمقراطية هي تنوع فعال من الطاقات والتي حولت مقداراً ضئيلاً من المصادر إلى تفوقٍ نوعي، على حين الإستبداد الذي ساد الإمبراطوريات الشرقية كان يكبح إستعمال إمكانيتها الموجودة في مصادرها الضخمة)[45].

على نحوٍ عام يمكن القول بأن هناك إتجاهات متواصلة من الحكم الذاتي المشترك على الأقل وسط الملكية الخاصة للرجال في الشرق الأدنى القديم. ونحن لا نستطيع أن نرى هذا كإتجاه متقدم ولكنه أسلوب متكرر قد نشأ أو على الأقل أصبح ممكناً إدراكه على نحوٍ كبير، وبشكل خاص عندما لا تعمل المؤسسات بشكل جيد. إذ أن هذه المؤسسات الديمقراطية تختفي من السجلات عندما يكون الملوك أقوياء، ويحدث العكس عندما يكون الملوك ضعفاء، فأنها تكون  ثابتة وراسخة [46].

 إذا ما غادرنا إلى قضايا أخرى ومنها كيف إختلفت المؤسسات الإغريقية عن المؤسسات التي أوجزناها هنا. نشير هنا إلى أن الاختلاف كان أقل في الإجراءات العملية وأكثر في الوعي الذاتي. إن إخضاع الأعراف الإجتماعية للتحليل لا يبدأ مع الحضارة الإغريقية، لكن الإغريق ناضلوا بفعالية أكبر في هذا المجال، وبهمة أعلى بكثير من غيرهم ويتضح هذا،على أقل تقدير، من خلال النصوص التي تم حفظها. هذا الجانب مما يسمى بالمعجزة الإغريقية، يبدو أنه يشكل الاختلاف في أسلوب التفسير، فيما كان يرى كتسجيل وتحليل جدير بالإعتبار. فالمعجزة الإغريقية نفسها لا تبدو تقدماً مفاجئاً ولكنها أحدثت اختلافاً في الأسلوب الحضاري. من المحتمل أن الأوليگاركيين القدامى (مجموعة من كتاب الكراريس مجهولي الهوية وكانوا معارضين للديمقراطية) عدوا، وفقاً لأعرافهم، أن الأثينيين قد عملوا قوائم بالتشريعات والقوانين تماماً مثل ما فعل سكان بلاد وادي الرافدين قبلهم، ولكن الفرق أن الأثينيين كانوا قد علقوا على حواشي هذه القوائم على نحوٍ مسرفٍ، وهو أمر لم يفعله أهالي بلاد وادي الرافدين القدماء[47].

نخلص إلى القول أن الإدعاء بأن الديمقراطية والفكر السياسي يبدأ مع العهد الإغريقي، هو إدعاء فيه مجافة كبيرة للواقع التأريخي، ولايقوم على أساس علمي وموضوعي. وإن منطقة الشرق الأدنى القديم، ومنها بلاد وادي الرافدين تحديداً، كانت زاخرة بالعطاء الحضاري، والوعي السياسي المتمثل بوجود المجالس التشريعية، بعدها المظهر الأبرز في العمل السياسي. وهاهم أحفاد أولئك الأجداد العظام في بلاد وادي الرافدين يسطرون ملحمة جديدة في إختيارهم لمن يدير شؤون مدنهم، مجسدين وعيهم بعمق تجربهم الحضارية وإمتدادها عبر الأزمان والأجيال.    

 

المصادر

--------------------------------------------------------------------------------

 [1]- " صولون" شاعر يوناني تم إختياره في عام 594 ق.م، ليضع حداً للشقاق المستعر في أوساط المجتمع الأثيني. وعرف بالمصلح لأصداره قائمة من الإصلاحات الإجتماعية والإقتصادية التي ساهمت في  التخفيف عن وطأة الإعباء القاهرة لمواطنيه في المجالات الإقتصادية والإجتماعية. ينظر :

" The National Archives " Washington, 1993- 1994, " The Birth of Democracy " . / Snell D, C . "  Flight and Freedom in the Ancient Near East ", Brill,2001,P.71-73.

[2]Rhodes, P,J "Athenian Democracy after 403 B.C ” , Classical Journal, No 75. Oxford, 2003. P. 303ff. / Robinson, C,E." Everyday life in Ancient Greece " Oxford,1937.P.51-52, 56,60 ../J.B. Bury " History of the later Roman Empire".U.S.A.1958.P.293.

 

[3] Postgate, J, N." Early Mesopotamia and Economy at the dawn of  history " London,1992, P. 8ff.

 

[4] نشير إلى أن المصطلح الإنكليزي الذي أُستعمل كمقابل للمجلس أو الجمعية، هو                 (Assembly)، يشير إلى الطابع المؤسساتي، ويدل كذلك على تجمع مجموعة من الناس، حتى أن من معانيه ما يدل على استخدام الطبل أو غيره لدعوة الجند إلى الأجتماع. ينظر: قاموس المورد.

.

[5].  Van de Mieroop, M.  " The Ancient Mesopotamia city ", Oxford. 1999. P. 12Iff.

 

[6] Postgate , j, N. op.cit P.27. /  Jacobsen, Thorkild "Primitive Democracy in Ancient Mesopotamia" Journal of Near Eastern Studies(J.N.E.S), No2, 1943. P. 165./ Van de Mieroop, M. Ibid. P. 122.

 

[7] - أندريه إيمار وجانين إبوايه " تاريخ الحضارات العام"، ج 1، الشرق واليونان القديمة، ترجمة فريد داغر وفؤاد أبو ريحان، بيروت، 1964، ص 139.

[8] - هاري ساكز " عظمة بابل " ، ترجمة عامر سليمان، الموصل، 1979، ص 57.

[9] -  Henri Frankfort " The Birth of civilization in the Near East " UK,1951,P, 69-70./

 Henri Frankfort " la Royaute et les dieux Payot ", Paris,1951,P,290-295

[10] - Jacobsen, Thorkild, 1943, Ibid, P. 165ff.

 

[11] - Henri Frankfort," The Birth …,P,65.

[12] - صموئيل نوح كريمر " السومريون "، ترجمة د. فيصل الوائلي، الكويت( 1973)، ص50 .

)[13] (Katz, Dina "Gilgamesh and AKKA",U.S.A.1993,P,21-31. /"Gilgamesh and AKKa : Was Uruk  Ruled by two Assemblies " RA. 81. 1987. P. 105-108.

 

[14] - صموئيل نوح كريمر " من ألواح سومر" ترجمة طه باقر، القاهرة،1957، ص 81-82. 

 

[15] - فاضل عبد الواحد علي " سومر أسطورة وملحمة" ، بغداد 1997، ص178.

[16] - يشير الباحث "  صمؤئيل نوح كريمر "  أن هناك رئيساً لهذا المجلس يشرف على النقاش ويخاطب الملك بالنيابة عنه. ينظر " صموئيل نوح كريمر " من ألواح سومر " ، المصدر السابق الذكر، ص 83-87. وكذلك في كتابه السومريون، الذي سبق الإشارة إليه، ص 257-264.

  وهنا نود أن نشير إلى أن التوراة العبري، وتحديداً في سفر الملوك الأول( 12 : 4-15)، قد أورد قصة مشابهة تماماً للقصة السومرية، تحديداً في قضية المجلسين الإستشاريين، فنقرأ في قصة إنشقاق مملكة إسرائيل أن الملك رحبعام (922-915 ق.م) إبن سليمان، ملك المملكة الجنوبية، ذهب إلى المدينة الشمالية (شكيم) ليدافع عن حقه في الملوكية، وهناك تحدى جميع أفراد المجلس الأعلى ذو الهيئتين. وفعل تماماً مثل سلفه السومري، الذي ذكر في القصة السومرية الأقدم. وربما تكون القصة التوراتية مجرد محاولة أو وسيلة للقول بأن هناك إستشارة واسعة، رغم أن الإجماع كان يتم التوصل إليه أخيراً بين رجال الحاشية وليس بين الشماليين والملك.  ينظر :

Reviv, Hayim "The Elders in Israel" Magnes 1986. P.99-101.

 

[17] - يشير الباحث الروسي " دياكونوف" أن هذا المجلس قد ورد ذكره في نصوص لغوية من عصر جمدة نصر( 3100- 2900 ق.م.) بصيغة " مجلس الكبار" ، وأنه كان بمثابة هيئة مديري المعبد في ذلك العصر، عندما لم تكن مزرعة المعبد قد إنفصلت عن المجتمع، وفي مدينة شروباك(إحدى مدن جنوب بلاد وادي الرافدين) في القرن السابع والعشرون ق.م ، كانت الوثائق تؤرخ بكل بوضوح بدلالة تعاقب الألقاب التي تعود إلى وحدات إقليمية وقبلية مختلفة كان رؤساؤها يقومون بالتعاقب برئاسة (مجلس الكبار)، كما يرد هذا المجلس في كجهة رسمية في توثيق العقود وذلك في الوثائق التي تعود إلى الأكديين في القرن الثالث والعشرين ق.م، وإلى سلالة أور الثالثة في القرن الواحد والعشرين ق.م. ينظر :

 I.M. Diakonoff  " The Rise of the Despotic state in Ancient Mesopotamia " in,  I.M.Diakonoff,(ed) " Ancient Mesopotamia ", Moscow ,1969.   P,182-183. 

([18] ) Katz, Dina. 1987. Ibid. P. 108-111.

 

[19] - نائل حنون " ملحمة جلجامش" ، دمشق 2006، ص 39، 113.

نشير هنا على ضرورة ملاحظة أن  الترجمة الأقدم للقصة، والتي كتبت في العهد البابلي القديم في القرن الثامن عشر ق.م، تظهر لنا مجموعة من الرجال المسنين فقط. ينظر:

 Andre ,George. " The Epic of Gilgamesh " Great Britan.1999.P. 20-22 ,112-113. / Mora,W ." The Gilgamesh  Epic : A masterpiece from Ancient Mesopotamia" (in), " The Epic of Gilgamesh "(Ed) B.R. Foster. London .2001 .P .171-183.

 

[20] - I.M. Diakonoff " The Rise of the Despotic….",Op.cit,P,183-184./

 عبد الرضا الطعان " الفكر السياسي في العراق القديم " ج1، بغداد 1985، ص 256-257.

[21] -( Van de Mieroop,M. op.cit. P.، 129. / Fleming D,E "Democracys Ancient Ancestors, Mari and Early Collective Governance", New York, 2004,p.191-200.

 

[22] - ينظر الهامش رقم 17.

[23] - Van de Mieroop,M.op.cit, p,124-125.

[24] - " گوروش  = gurus  " مصطلح يكتنفه الغموض، فهو غالباً ما كان يشير إلى المعتمدين أو التابعين للقصر في الألف الثالث ق.م. وقد أشار الباحث " جي جيلب" إلى أن قوائم الأرزاق التي كان يصدرها المعبد في العصور الأولى تذكر صنفين من الأفراد ضمن فئة الأحرار، أطلق على الأول منهم إسم " گوروش " وعلى الثاني إسم " إنگار" ، وعليه يمكن ترجمة الأول ب " رجل " ، وإنه كان يستعمل للدلالة على أفراد شريحة إجتماعية، ذات وضع قانوني خاص " شبه حرة " . أما المصطلح الثاني فكان يطلق على أفراد شريحة الأحرار، ويمكن أن يترجم بكلمة " فلاح ". ينظر :  I.J. Gelb " Prisoners of war in early Mesopotamia "  JNES ( Journal of Near Eastern studies ) ,Vol 32,P.83.

 

[25] - نشير هنا إلى أن أول ترجمة لملحمة گلگامش إلى العربية من النص الأكدي، هي التي وضعها الدكتور نائل حنون في عام 2006. ينظر الهامش رقم 19.

[26] - Van de Mieroop,M.op.cit,p,125.

[27] - Jacobsen, Thorkild. op.cit P. 157-172.

 

[28]-  الإله " آنو" هو كبير الآلهة السومرية، وكانت مدينة الوركاء هي مركز عبادته، وكان يعبد بصفته إله السماء، أما الإله " أنليل" فأنه يأتي بالمرتبة الثانية في مجمع الآلهة السومرية، ومركز عبادته كان مدينة " نفر"، وعبد بصفته إله الريح أو الهواء. ينظر : ف. فون زودن    " مدخل إلى حضارة الشرق القديم" ، ترجمة د. فاروق إسماعيل، دمشق،2006، ص 194.   

[29] - هنري فرانكفورت وآخرون " ما قبل الفلسفة "، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، بيروت، 1960، ص 167.

[30] - المصدر نفسه، ص 204.

[31] - p,290.   ",op.cit,...  Henri Frankfort " la Royaute

[32] - I.M. Diakonoff " The Rise of the Despotic….",Op.cit,P,179-187./

 عبد الرضا الطعان " الفكر السياسي في العراق القديم " ج1، بغداد 1985، ص 219-220.

[33] - Raymond , westbrook (Ed) " A history of Ancient  Near East Low " vol.1.Brill.2003.P.367. /Lambert, W,G "Babylonian wisdom Literature" Oxford. 1960. P. 101،131.

 

[34]-  Jacobsen, Thorkild. op.cit p.160

[35] - Jacobsen, Thorkild "Early political Development in Mesopotamia" ZA. No،52. 1957. P. 138.

 

[36] - Roth, Martha "Law Collections form Mesopotamia and Asia Minor " Atlanta. 1995. Paragraphs, 5. 23. 142. 202.251.

 

[37] - Jacobsen, Thorkild "An Ancient Mesopotamia trail for Homicide" Analecta Biblica, No 12.1959. P. 134-136.

 

[38] - Van de Mieroop, M." Thought on urban real estate in Ancient Mesopotamia" (in) "Urbanization and land ownership in the Ancient Near East" (ed) .M, Hudsom. and B. A. Levine , Cambridge, 1999. P.147-149.

 

[39]- " مُشكينُم " مصطلح أكدي، يعني حرفياً " الخاضع أو الساجد أو المنبطح على الأرض"، وليس هناك بعد رأي متفق عليه في بيان طبيعة الطبقة الإجتماعية التي أطلق عليها. عموماً فأنها كانت أدنى منزلة من  طبقة ال" آويلُم" . وبعد عام 1500 ق.م، بدأت التسمية تستعمل بدلالة أخرى، هي  " الفقير أو المسكين" ، وبهذه الدلالة دخلت إلى اللغات العبرية والآرامية والعربية، وكذلك إلى اللغات الرومانية المتأخرة جداً ، كما في الفرنسية Mesquin " " وفي الإيطالية " Meschino ". ينظر : ف.فون زودن ، المصدر السابق، ص88-89 ./

 Stol , Marten "Muškenu " RLA8  ,1997, P.483-492.  

 

[40] - Fleming D,E. Op. cit .P.195-200.

[41] - Tadmor. H. "Monarchy and Elite in Assyria and Babylonia", London,1986,p, 204ff . / Larsen ,M, T " Old Assyrian city–state", Copenhagen.1976, P,163                                                                                                                                                                                                       

[42] - Waterman, L "Royal correspondence of the Assyrian Empire", VoL 4 ،U.S.A, 1930-1938, letter no 458./ Harper ،R، F." Assyrian and Babylonian letters belong to the collection in the British Museum", part 1-14, Chicago,1892-1919.

 

[43]-  Robinson, c. c. op.cit,p.51-52.

 

[44] - Evans ,G. "Ancient Mesopotamia Assemblies ", Journal of the American oriental society( JAOS) , No 78, 1958, p.7.

 

[45] - Snell D,C. op.cit P. 70-74.

[46] - Roth, Martha, op.cit P. 15-16.

 

[47] - Hornblower,S. and Spawforth, Antony.( Oxford Classical Dictionary) Oxford,1996.P.132ff. 

..............................

(*) مدرس مساعد/ قسم الآثار - كلية الآداب - جامعة بغداد

 المصدر: الحضارية

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ: 2010/03/30   ||   القرّاء: 6604



جميع الحقوق محفوظة لمركز آل الحكيم الوثائقي 2008 ـ 2024

||  يسمح للجميع الاقتباس مع ذكر المصدر  ||
تصميم، برمجة وإستضافة:   

الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net